
عناوين وازنة ومثيرة وعابرة للمراحل والحكومات
والبرامج والسياسات، ومساحات تتقاطع فيها دول العالم الثالث مع دول العالم الأول(متجاوزة الثاني) عناوين تتصدر المشهد وتزينه في كل حين، تنبري لها قيادات حكومية وبرلمانية من الوزن الثقيل، تنوء بحمل تلك العناوين وهي تتجول بها بين الناس في المدن والبوادي والأرياف، تجوب الوطن من شماله إلى جنوبه ببضاعة مزجاة قد خبرها الناس وخبروا أصحابها كما خبروا بضاعة (الدواج) الذي يطوف بمنازل الأعراب في الصحراء هائما على غير هدى يتلقط الرزق، يتتبع آثارهم حيثما رحلوا خلف الغيث، يحمل في حقيبته خليطا غير متجانس من المناديل النسائية، والخيوط الحمراء والخضراء والصفراء، والكحل، والكعيكبان، والحلقوم، والحلاوة، والعطور، والمر، والمروحة، والشمغ والعقل(جمع شماغ وعقال)… إلخ ، ومع الخيوط ثمة خطوط حمراء وخضراء، ومواعظ قديمة في الصبر والتحمل، وحكم بالية صار الناس يعرفونها كما يعرفون لازمة القصيد (الروي والقافية) في قصيدة مطروقة تنتهي بكلمات معروفة …كطعام أعيد طبخه مرات عديدة(طبيخ بايت)…فصار طعمه حامضا كارتداد المريء، وكريها كطعم الريق الذي خرج من الحلق لا يتقبله أحد حتى صاحبه
الشعارات الكبيرة التي يبيعنا إياها الدواجون الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب خادعة كنبات الدفلى، زهره جميل وألوانه بديعة، لكن طعمه علقمي، ولا يستسيغه من جربه من قبل، إنها ليست وصفة علاجية نتداولها مؤقتا فنصبر على مرارتها ثم نتحرر منها بعد أن نبرأ من أوجاع المرحلة…إنها – بكل أسف – ليست كذلك، بل هي وصفة دائمة ومستمرة كأمراض الشيخوخة، تصرف دون حاجة لرؤية الطبيب، ودون أمل في شفاء المريض
تلك هي العقول التي ترى العالم من زاوية واحدة وتغض الطرف عن أهمية التفاعل الطبيعي الحي، وتتعالى على الواقع، وتحاول معالجة كل الأمراض بالكي والنار، لكن تجارب الأمم والشعوب تؤكد أن أي جهد إصلاحي يتجاهل الجذور العميقة للمشكلات الحقيقية والتحديات العملية وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص هو احتيال سياسي هدفه الاحتواء السلبي، ومثل ذلك سيؤدي إلى خلق استجابات من نوع خاص، تشبه تماما المتحوّرات الفيروسية التي تستعصي على العلاج، والأخطر من ذلك أن تلك المتحورات قد تنتج طفرات جينية، وقد تخرج عن حد التحكم بها ونطاق السيطرة عليها… وخلاصة الأمر” إذا كان الطبيب أعمى فاعلم أن الميتة صعبة”