كتب ــ حسـنى كمـال

كشفت دراسة علمية حديثة أن الوسطية من أبرز خصائص ومميزات الشخصية المسلمة التى ترتكز على القيم الحضارية، وأن غياب مفاهيم الوسطية يؤدى إلى الانحرافات الفكرية والأمراض النفسية التى تدفع نحو الغلو والتطرف والاعتداء على الآخرين واضطراب السلوك.
وأكدت الدراسة التى أعدها الدكتور مبروك بهى الدين رمضان، الأستاذ بكلية التربية بجامعة طنطا وعضو كرسى الأمير سلطان للدراسات الإسلامية المعاصرة والمحاضر بجامعة الإمام بالسعودية، والتى شارك بها فى مؤتمر (الوسطية فى الدراسات الإسلامية والعربية) الذى عقد بكلية دار العلوم بجامعة المنيا مؤخرا، وجاءت تحت عنوان: (وسطية الإسلام فى علاج الضغوط النفسية)، أن قاعدة التمسك بالقيم الحضارية والأخلاقية والوسطية الدينية هو الوسيلة الوحيدة للإشباع النفسى والروحي، وإحداث التوازن بين الملذات والماديات والأخلاقيات والروحانيات، كى يتم التوافق النفسي، لتحقيق الإيمان والسلام النفسى والقناعة والارتياح والطمأنينة والسعادة.

وأوضحت الدراسة أن الوسطية تعنى العدل (الوسط)، بمعنى أنه لا إفراط ولا تفريـط، ولا غلــوّ ولا تقصير، ولا تشُدّد ولا انفلات، فى العقائد والعبادات والأخلاق والقيم السلوكية، وتقوم ركائزها على العقل والفطْرة السليمة والبراهين المحْكَمة.

وبينت الدراسة أن أصول الشخصية الأساسية فى الإسلام ترتكز على القيم الحضارية فى تعاليم الإسلام كون هذه القيم من العناصر الرئيسة الواقية من المرض النفسى والمخففة لوطأته عند حدوثه، ولقد ذم الإسلام التشدد وعاب أهله، ونهى عن التنطُّع والغلو فى الدين، فالغلو فى الدين مناف لاعتدال الإسلام ووسطيته، كما أنه لا يُتخذ ذريعة للتساهل فى أمور الدين وتمييع أحكامه. وكشفت الدراسة أن الانحرافات الفكرية، وممارسة مفاهيم خاطئة بلا ضوابط شرعية سليمة، ينتج عنه سفْك دماء المعصومين من المسلمين وغيرهم، وفى الأخلاق والمعاملات نجد من الغلوّ العصبيات المذهبية والقبلية والشعوبية والحزبيـة، والانتشار الواسع للغيبة والسخـرية والّلمْز وسوء الظن، والتهاجر، والشدّة على المُخالِف، .. وغيرها، وفى المقابل نجد من أمثلة التساهل والتفلُّت قطْع الأرحام، والاستخفاف بالوالدين، وبذَوِى العلْم والسن والفضل، وتبجيل المنحرفين والمستهترين، وإهمال قيم العمل والإتقان، وتضييع الأوقات فيما لا يفيد.. وغيرها، بدعوى الوسطية، وهى فى الحقيقة نكوص فى المفهوم وتراجع فى القيم الحضارية. وأكدت الدراسة أن الصراعات النفسية والتناقض بين قوى الخير والشر، وبين الغرائز والمحرمات، كالشعور بالذنب والخطأ الذى كثيرا ما يتسبب فى القلق والفزع والعدوان واضطراب الطبع والسلوك. وحول كيفية علاج الإسلام للضغوط النفسية، قال الدكتور بهى الدين رمضان إن هذا المسلك أكده الكثير من علماء الإسلام قديماً كالغزالى والماوردي، وغيرهما، وحديثاً يرى علماء النفس أن مفعول تعاليم الدين بقصد ترضية النفس واطمئنانها بواسطة التوبة والاستبصار واكتساب الاتجاهات الجديدة الفاضلة، لأن شخصية المسلم ترتكز على الإيمان بالقضاء والقدر، والبر والتقوي، وعلى مسئولية الاختيار وطلب العلم، والصدق، والتسامح، والأمانة، والتعاون، والقناعة، والصبر، والاحتمال، والقوة المتوازنة، والصحة.. إلخ، وهذه الخصال من مقومات إنماء الشخصية واكتمالها بقصد السعادة النفسية الشاملة. وأوصت الدراسة بالتمسك بالقيم الحضارية والأخلاقية والوسطية الدينية باعتبارها الوسيلة الوحيدة للإشباع النفسى والروحي، لتحقيق الإيمان والسلام النفسى والمحبة، كما أنه السبيل القويم إلى القناعة والارتياح والطمأنينة والسعادة، والكف عن السباق نحو الشهوات وما ينتج عن ذلك من حسد وحقد وصراع بين الأشخاص وفى نفسية الفرد بذاته.

Leave A Comment

ركن الفكر للثقافة

مؤسسة فردية غير ربحية نسعى لخدمة المجتمع وتلمس احتياجاته والتوعية بقضاياه فكريا و اعلاميا و ثقافيا.